فصل: ذكر أخبار الترك بما وراء النهر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر خروج طغرلبك إلى الري وملك بلد الجبل

في هذه السنة خرج طغرلبك من خراسان إلى الري بعد فراغه من خوارزم وجرجان وطبرستان فلما سمع أخوه إبراهيم ينال بقدومه سار إليه فلقيه وتسلم طغرلبك الري منه وتسلم غيرها من بلد الجبل وسار إبراهيم إلى سجستان وأخذ طغرلبك أيضًا قلعة طبرك من مجد الدولة بن بويه وأقام عنده مكرمًا وأمر طغرلبك بعمارة الري وكانت قد خربت فوجد في دار الإمارة مراكب ذهب مجوهرة وبرنيتي صيني مملوءتين جوهرًا ومالًا كثيرًا وغير ذلك‏.‏

وكان كامرو يهادي طغرلبك وهو بخراسان ويخدمه وخدم أخاه إبراهيم لما كان بالري فلما حضر عنده أهدى له هدايا كثيرة من أنواع شتى وهو يظن أن طغرلبك يزيد في إقطاعه ويرعى له ما تقدم من خدمته له فخاب ظنه وقرر على بيده كل سنة سبعة وعشرين ألف دينار‏.‏

ثم ساروا إلى قزوين فامتنع عليه أهلها فزحف إليهم ورماهم بالسهام والحجارة فلم يقدروا أن يقفوا على السور وقتل من أهل البلد برشق وأخذ ثلاثمائة وخمسين رجلًا فلما رأى كامرو ومرداويج بن بسو ذلك خافوا أن يملك البلد عنوة وينهب فمنعوا الناس من القتال وأصلحوا الحال على ثمانين ألف دينار وصار صاحبها في طاعته‏.‏

ثم إنه أرسل إلى كوكتاش وبوقا وغيرهما من أمراء الغز الذين تقدم خروجهم يمنيهم ويدعوهم إلى الحضور في خدمته فلما وصل رسوله إليهم ساروا حتى نزلوا على نهر بنواحي زنجان ثم أعادوا رسوله وقالوا له‏:‏ قل له قد علمنا أن غرضك أن تجمعنا لتقبض علينا والخوف منك أبعدنا عنك وقد نزلنا هاهنا فإن أردنا قصدنا خراسان أو الروم ولا نجتمع بك ابدًا‏.‏

وأرسل طغرلبك إلى ملك الديلم يدعوه إلى الطاعة ويطلب منه مالًا ففعل ذلك وحمل إليه مالًا وعروضًا وأرسل أيضًا إلى سلار الطرم يدعوه إلى خدمته ويطالبه بحمل مائتي ألف دينار فاستقر الحال بينهما على الطاعة وشيء من المال‏.‏

وأرسل سرية إلى أصبهان وبها أبو منصور فرامرز بن علاء الدولة فأغارت على أعمالها وعادت سالمة‏.‏

وخرج طغرلبك من الري وأظهر قصد أصبهان فراسله فرامرز وصانعه بمال فعاد عنه وسار إلى همذان فملكها من صاحبها كرشاسف بن علاء الدولة وكان قد نزل إليه وهو بالري بعد أن راسله طغرلبك غير مرة وسار معه من الري إلى أبهر وزنجان فأخذ منه همذان وتفرق أصحابه عنه وطلب منه طغرلبك تسليم قلعة كنكور فأرسل إلى من بها بالتسليم فلم يفعلوا وقالوا لرسل طغرلبك‏:‏ قل لصاحبك والله لو قطعته قطعًا ما سلمناها إليك‏.‏

فقال له طغرلبك‏:‏ ما امتنعوا إلا بأمرك ورأيك فاصعد إليهم وأقم معهم ولا تفارق موضعك حتى آذن لك‏.‏

ثم عاد إلى الري واستناب بهمذان ناصرًا العلوي وكان كرشاسف قد قبض عليه فأخرجه طغرلبك وولاه الري وأمره بمساعدة من يجعله في البلد وكان معه مرداويج بن بسو نائبه في جرجان وطبرستان فمات وقام ولده جستان مقامه فسار طغرلبك إلى جرجان فعزل جستان عنها واستعمل على جرجان أسفار وهو من خواص منوجهر بن قابوس فلما فرغ أمر جرجان وطبرستان سار إلى دهستان فحصرها وبها صاحبها كاميار معتصمًا بها لحصانتها‏.‏

وسير طغرلبك طائفة من أصحابه إلى كرمان مع أخيه إبراهيم ينال بعد أن دخل الري وقيل إن إبراهيم لم يقصد كرمان وإنما قصد سجستان وكان مقدم العساكر التي سارت إلى كرمان غيره فلما وصلوا إلى أطراف كرمان نهبوا ولم يقدموا على التوغل فيها فلم يروا من العساكر من يكفهم فتوسطوا وملكوا عدة مواضع منها ونهبوها‏.‏

فبلغ الخبر إلى الملك أبي كاليجار صاحبها فسير وزيره مهذب الدولة في العساكر الكثيرة وأمره بالجد في المسير ليدركهم قبل أن يملكوا جيرفت وكانوا يحاصرونها فطوى المراحل حتى قاربهم فرحلوا عن جيرفت ونزلوا عى ستة فراسخ منها‏.‏

وجاء مهذب الدولة فنزلها وأرسل ليحمل الميرة إلى العسكر فخرجت الغز إلى الجمال والبغال والميرة ليأخذوها وسمع مهذب الدولة ذلك فسير طائفة من العسكر لمنعهم فتواقعوا واقتتلوا وتكاثر الغز فسمع مهذب الدولة الخبر فسار في العساكر إلى المعركة وهم يقتتلون وقد ثبتت كل طائفة لصاحبتها واشتد القتال إلى حد أن بعض الغز رمى فرس بعض أصحاب أبي كاليجار بسهم فوقع فيه وطعنه صاحب الفرس برمح فأصاب فرس الغزي وحمل الغزي على صاحب الفرس فضربه ضربة قطعت يده وحمل عليه صاحب الفرس وهو على هذه الحالة فضربه بسيفه فقطعه قطعتين وسقطا إلى الأرض قتيلين والفرسان قتيلان وهذه حالة لم يدون عن فلما وصل مهذب الدولة إلى المعركة انهزم الغز وتركوا ما كانوا ينهبونه ودخلوا المفازة وتبعهم الديلم إلى رأس الحد وعادوا إلى كرمان فأصلحوا ما فسد منها‏.‏

  ذكر الوحشة بين القائم بأمر الله أمير المؤمنين وجلال الدولة

في هذه السنة افتتحت الجوالي في المحرم ببغداد فأنفذ الملك جلال الدولة فأخذ ما تحصل منها وكانت العادة أن يحمل منها إلى الخلفاء لا تعارضهم فيها الملوك فلما فعل جلال الدولة ذلك عظم الأمر فيه على القائم بأمر الله واشتد عليه وأرسل مع أقضى القضاة أبي الحسن الماوردي في ذلك وتكررت الرسائل فلم يصغ جلال الدولة لذلك وأخذ الجوالي فجمع الخليفة الهاشميين بالدار والرجالة وتقدم بإصلاح الطيار والزبازب وأرسل إلى أصحاب الأطراف والقضاة بما عزم عليه وأظهر العزم على مفارقة بغداد فلم يتم ذلك وحدث وحشة من الجهتين فاقتضت الحال أن الملك يترك معارضة النواب الإمامية فيها في السنة الآتية‏.‏

  ذكر محاصرة شهرزور وغيرها

في هذه السنة سار أبو الشوك إلى شهرزور فحصرها ونهبها وأحرقها وخرب قراها وسوادها وحصر قلعة تبرانشاه فدفعه أبو القاسم بن عياض عنها ووعده أن يخلص ولده أبا وكان مهلهل قد سار من شهرزور لما بلغه أن أخاه أبا الشوك يريد قصدها وقصد نواحي سندة وغيرها من ولايات أبي الشوك فنهبها وأحرقها وهلكت الرعية في الجهتين‏.‏

ثم إن أبا الشوك راسل أبا القاسم بن عياض يستنجزه ما وعده به من تخليص ولده والشروط التي تقررت بينهما فأجابه بأن مهلهلًا غير مجيب إليه‏.‏

فعند ذلك سار أبو الشوك من حلوان إلى الصامغان ونهبها ونهب الولاية التي لمهلهل جميعها فانزاح مهلهل من بين يديه وترددت الرسل بينهما فاصطلحا على دغل ودخل وعاد أبو الشوك‏.‏

  ذكر خروج سكين بمصر

في هذه السنة في رجب خرج بمصر إنسان اسمه سكين كان يشبه الحاكم صاحب مصر فادعى أنه الحاكم وقد رجع بعد موته فاتبعه جمع ممن يعتقد رجعة الحاكم فاغتنموا خلو دار الخليفة بمصر من الجند وقصدوها مع سكين نصف النهار فدخلوا الدهليز فوثب من هناك من الجند فقال لهم أصحابه‏:‏ إنه الحاكم فارتاعوا لذلك ثم ارتابوا به فقبضوا على سكين ووقع الصوت واقتتلوا فتراجع الجند إلى القصر والحرب قائمة فقتل من أصحابه جماعة وأسر الباقون وصلبوا أحياء ورماهم الجند بالنشاب حتى ماتوا‏.‏

في هذه السنة كانت زلزلة عظيمة بمدينة تبريز هدمت قلعتها وسورها ودورها وأسواقها وأكثر دار الإمارة وسلم الأمير لأنه كان في بعض البساتين فأحصي من هلك من أهل البلد وكانوا قريبًا من خمسين ألفًا ولبس الأمير السواد والمسوح لعظم المصيبة وعزم على الصعود إلى بعض قلاعه خوفًا من توجه الغز السلجوقية إليه وأخبر بذلك أبو جعفر بن الرقي العلوي النقيب بالموصل‏.‏

وفيها قتل قرواش كاتبه أبا الفتح صبرًا‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أحمد أبو ذر الهروي الحافظ أقام بمكة وتزوج من العرب وأقام بالسروات وكان يحج كل سنة يحدث في الموسم ويعود إلى أهله وصحب القاضي أبا بكر البقلاني‏.‏

وفيها توفي عمر بن إبراهيم بن سعيد الزهري من ولد سعد بن أبي وقاص وكان فقيهًا شافعيًا‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وأربعمائة

  ذكر إخراج المسلمين والنصارى القسطنطينية

وسبب ذلك أنه وقع الخبر بالقسطنطينية أن قسطنطين قتل ابنتي الملك المتقدم اللتين قد صار الملك فيهما الآن فاجتمع أهل البلد وأثاروا الفتنة وطمعوا في النهب فأشرف عليهم قسطنطين وسألهم عن السبب في ذلك فقالوا‏:‏ قتلت الملكتين وأفسدت الملك فقال‏:‏ ما قتلتهما وأخرجهما حتى رآهما الناس فسكنوا‏.‏

ثم إنه سأل عن سبب ذلك فقيل له‏:‏ إنه فعل الغرباء وأشاروا بإبعادهم وأمر فنودي أن لا يقيم أحد ورد البلد منذ ثلاثين سنة فمن أقام بعد ثلاثة أيام كحل فخرج منها أكثر من مائة ألف إنسان ولم يبق بها أكثر من اثني عشر نفسًا ضمنهم الروم فتركهم‏.‏

  ذكر وفاة جلال الدولة وملك أبي كاليجار

في هذه السنة في سادس شعبان توفي الملك جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه ببغداد وكان مرضه ورمًا في كبده وبقي عدة أيام مريضًا وتوفي وكان مولده سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وملكه ببغداد ست عشرة سنة وأحد عشر شهرًا ودفن بداره ومن علم سيرته وضعفه واستيلاء الجند والنواب عليه ودوام ملكه إلى هذه الغاية علم أن وكان يزور الصالحين ويقرب منهم وزار مرة مشهدي علي والحسين عليهما السلام وكان يمشي حافيًا قبل أن يصل إلى كل مشهد منهما نحو فرسخ يفعل ذلك تدينًا‏.‏

ولما توفي انتقل الوزير كمال الملك بن عبد الرحيم وأصحاب الملك الأكابر إلى باب المراتب وحريم دار الخلافة خوفًا من نهب الأتراك والعامة دورهم فاجتمع قواد العسكر تحت دار المملكة ومنعوا الناس من نهبها‏.‏

ولما توفي كان ولده الأكبر الملك العزيز أبو منصور بواسط على عادته فكاتبه الأجناد بالطاعة وشرطوا عليه تعجيل ما جرت به العادة من حق البيعة فترددت المراسلات بينهم في مقداره وتأخيره لفقده‏.‏

وبلغ موته إلى الملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة فكاتب القواد والأجناد ورغبهم في المال وكثرته وتعجيله فمالوا إليه وعدلوا عن الملك العزيز‏.‏

وأما الملك العزيز فإنه أصعد إلى بغداد لما قرب الملك أبو كاليجار منها على ما نذكره سنة ست وثلاثين عازمًا على قصد بغداد ومعه عسكره فلما بلغ النعمانية غدر به عسكره ورجعوا إلى واسط وخطبوا لأبي كاليجار فلما رأى ذلك مضى إلى نور الدولة دبيس بن مزيد لأنه بلغه ميل جند بغداد إلى أبي كاليجار وسار من عند دبيس إلى قرواش بن المقلد فاجتمع به بقرية خصة من أعمال بغداد وسار مع إلى الموصل ثم فارقه وقصد أبا الشوك لأنه حموه فلما وصل إلى أبي الشوك غدر به وألزمه بطلاق ابنته ففعل وسار عنه إلى إبراهيم ينال أخي طغرلبك وتنقلت به الأحوال حتى قدم بغداد في نفر يسير عازمًا على استمالة العسكر وأخذ الملك فثار به أصحاب الملك أبي كاليجار فقتل بعض من عنده وسار هو متخفيًا فقصد نصر الدولة بن مروان فتوفي عنده بميافارقين وحمل إلى بغداد ودفن عند أبيه بمقابر قريش في مشهد باب التبن سنة إحدى وأربعين‏.‏

وقد ذكر الشيخ أبو الفرج بن الجوزي أنه آخر ملوك بني بويه وليس كذلك فإنه ملك بعده أبو كاليجار ثم الملك الرحيم بن أبي كاليجار وهو آخرهم على ما تراه‏.‏

وأما الملك أبو كاليجار فلم تزل الرسل تتردد بينه وبين عسكر بغداد حتى استقر الأمر له وحلفوا وخطبوا له ببغداد في صفر من سنة ست وثلاثين وأربعمائة على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

  ذكر حال أبي الفتح مودود بن سبكتكين

في هذه السنة سير الملك أبو الفتح مودود بن مسعود بن سبكتكين عسكرًا مع حاجب له إلى

نواحي خراسان فأرسل إليهم داود أخو طغرلبك وهو صاحب خراسان ولده ألب أرسلان في عسكر فالتقوا واقتتلوا فكان الظفر للملك ألب أرسلان وعاد عسكر غزنة منهزمًا‏.‏

وفيها أيضًا في صفر سار جمع من الغز إلى نواحي بست وفعلوا ما عرف منهم من النهب والشر فسير إليهم أبو الفتح مودود عسكرًا فالتقوا بولاية بست واقتتلوا قتالًا شديدًا انهزم الغز فيه وظفر عسكر مودود وأكثروا فيهم القتل والأسر‏.‏

  ذكر ملك مودود عدة حصون

في هذه السنة اجتمع ثلاث ملوك من ملوك الهند وقصدوا لهاوور وحصروها فجمع مقدم العساكر الإسلامية بتلك الديار من عنده منهم وأرسل إلى صاحبه مودود يستنجده فسير إليه العساكر‏.‏

فاتفق أن بعض أولئك الملوك فارقهم وعاد إلى طاعة مودود فرحل الملكان الآخران إلى بلادهما فسارت العساكر الإسلامية إلى أحدهما ويعرف بدوبال هرباته فانهزم منهم وصعد إلى قلعة له منيعة هو وعساكره فاحتموا بها وكانوا خمسة آلاف فارس وسبعين ألف راجل وحصرهم المسلمون وضيقوا عليهم وأكثروا القتل فيهم فطلب الهنود الأمان على تسليم

الحصن فامتنع المسلمون من إجابتهم إلى ذلك إلا بعد أن يضيفوا إليه باقي حصون ذلك الملك الذي لهم فحملهم الخوف وعدم الأقوات على إجابتهم إلى ما طلبوا وتسلموا الجميع وغنم المسلمون الأموال وأطلقوا ما في الحصون من أسرى المسلمين وكانوا نحو خمسة آلاف نفر‏.‏

فلما فرغوا من هذه الناحية قصدوا ولاية الملك الثاني واسمه تابت بالري فتقدم إليهم ولقيهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا وانهزمت الهنود وأجلت المعركة عن قتل ملكهم وخمسة آلاف قتيل وجرح وأسر ضعفاهم وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم ودوابهم‏.‏

فلما رأى باقي الملوك من الهند ما لقي هؤلاء أذعنوا بالطاعة وحملوا الأموال وطللبوا الأمان والإقرار على بلادهم فأجيبوا إلى ذلك‏.‏

  ذكر الخلف بين الملك أبي كاليجار وفرامرز بن علاء الدولة

في هذه السنة نكث الأمير أبو منصور فرامرز بن علاء الدولة بن كاكويه صاحب أصبهان العهد الذي بينه وبين الملك أبي كاليجار وسير عسكرًا إلى نواحي كرمان فملكوا منها حصنين وغنموا ما فيهما‏.‏

فأرسل الملك أبو كاليجار إليه في إعادتهما وإزالة الاعتراض عنهما فلم يفعل فتجهز عسكرًا

وسيره إلى أبرقوة فحصرها وملكها فانزعج فرامرز لذلك وجهز عسكرًا كثيرًا وسيره إليهم فسمع الملك أبو كاليجار بذلك فسير عسكرًا ثانيًا مددًا لعسكره الأول والتقى العسكران فاقتتلوا وصبروا ثم انهزم عسكر أصبهان وأسر مقدمهم الأمير إسحاق بن ينال واسترد نواب أبي كاليجار ما كانوا أخذوه من كرمان‏.‏

  ذكر أخبار الترك بما وراء النهر

في هذه السنة في صفر أسلم من كفار الترك الذين كانوا يطرقون بلاد الإسلام بنواحي بلاساغون وكاشغر ويغيرون ويعيثون عشرة آلاف خركاة وضحوا يوم عيد الأضحى بعشرين ألف رأس غنم وكفى الله المسلمين شرهم‏.‏

وكانوا يصيفون بنواحي بلغار ويشتون بنواحي بلاساغون فلما أسلموا تفرقوا في البلاد فكان في كل ناحية ألف خركاة وأقل وأكثر لأمنهم فإنهم إنما كانوا يجتمعون ليحمي بعضهم بعضًا من المسلمين وبقي من الأتراك من لم يسلم تتر وخطا وهم بنواحي الصين‏.‏

وكان صاحب بلاساغون وبلاد الترك شرف الدولة وفيه دين وقد أقنع من إخوته وأقاربه بالطاعة وقسم البلاد بينهم فأعطى أخاه أصلان تكين كثيرًا من بلاد الترك وأعطى أخاه بغراجان طراز وأسبيجاب وأعطى عمه طغاخان فرغانة بأسرها وأعطى ابن علي تكين بخارى وسمرقند وغيرهما وقنع هو ببلاساغون وكاشغر‏.‏

  ذكر أخبار الروم والقسطنطينية

في هذه السنة في صفر أيضًا ورد إلى القسطنطينية عدد كثير من الروس في البحر وراسلوا قسطنطين ملك الروم بما لم تجر به عادتهم فاجتمعت الروم على حربهم وكان بعضهم قد فارق المراكب إلى البر وبعضهم فيها فألقى الروم في مراكبهم النار فلم يهتدوا إلى إطفائها فهلك كثير منهم بالحرق والغرق وأما الذين على البر فقاتلوا وأبلوا وصبروا ثم انهزموا فلم يكن لهم ملجأ فمن استسلم أولًا استرق وسلم ومن امتنع حتى أخذ قهرًا قطع الروم أيمانهم وطيف بهم في البلد ولم يسلم منهم إلا اليسير مع ابن ملك الروسية وكفي الروم شرهم‏.‏

  ذكر طاعة المعز بإفريقية للقائم بأمر الله

في هذه السنة أظهر المعز ببلاد إفريقية الدعاء للدولة العباسية وخطب للإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين ووردت عليه الخلع والتقليد ببلاد إفريقية وجميع ما يفتحه وفي أول الكتاب الذي مع الرسل‏:‏ من عبد الله ووليه أبي جعفر القائم بأمر الله أمير المؤمنين إلى الملك الأوحد ثقة الإسلام وشرف الإمام وعمدة الأنام ناصر دين الله قاهر أعداء الله ومؤيد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي تميم المعز بن باديس بن المنصور ولي أمير المؤمنين بولاية جميع المغرب وما افتتحه بسيف أمير المؤمنين وهو طويل‏.‏

وأرسل إليه سيف وفرس وأعلام على طريق القسطنطينية فوصل ذلك يوم الجمعة فدخل به إلى الجامع والخطيب ابن الفاكاة على المنبر يخطب الخطبة الثانية فدخلت الأعلام فقال‏:‏ هذا لواء الحمد يجمعكم‏.‏

وهذا معز الدين يسمعكم‏.‏

وأستغفر الله لي ولكم‏.‏

وقطعت الخطبة للعلويين من ذلك الوقت وأحرقت أعلامهم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة جرت حرب بين ابن الهيثم صاحب البطيحة وبين الأجناد من الغز والديلم فأحرق الجامدة وغيرها وخطب الجند للملك أبي كاليجار‏.‏

وفيها أرسل الخليفة القائم بأمر الله أقضى القضاة أبا الحسن علي بن محمد ابن حبيب الماوردي الفقيه الشافعي إلى السلطان طغرلبك قبل وفاة جلال الدولة وأمره أن يقرر الصلح بين طغرلبك والملك جلال الدولة وأبي كاليجار فسار إليه وهو بجرجان فلقيه طغرلبك على أربعة فراسخ إجلالًا لرسالة الخليفة وعاد الماوردي سنة ست وثلاثين وأخبر عن طاعة طغرلبك للخليفة وتعظيمه لأوامره ووقوفه عنده‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر أبو القاسم ابن أبي الفتح الأزهري الصيرفي المعروف بابن السواري شيخ الخطباء أبي بكر وكان إمامًا في الحديث ومن تلامذته الخطيب البغدادي‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وثلاثين وأربعمائة

  ذكر قتل الإسماعيلية بما وراء النهر

في هذه السنة أوقع بغراخان صاحب ما وراء النهر بجمع كثير من الإسماعيلية‏.‏

وكان سبب ذلك أن نفرًا منهم قصدوا ما وراء النهر ودعوا إلى طاعة المستنصر بالله العلوي صاحب مصر فتبعهم جمع كثير وأظهروا مذاهب أنكرها أهل تلك البلاد‏.‏

وسمع ملكها بغراخان خبرهم وأراد الإيقاع بهم فخاف أن يسلم منه بعض من أجابهم من أهل تلك البلاد فأظهر لبعضهم أنه يميل إليهم ويريد الدخول في مذاهبهم وأعلمهم ذلك وأحضرهم مجالسة ولم يزل حتى علم جميع من أجابهم إلى مقالتهم فحينئذ قتل من بحضرته منهم وكتب

  ذكر الخطبة للملك أبي كاليجار وإصعاده إلى بغداد

قد ذكرنا لما توفي الملك جلال الدولة ما كان من مراسلة الجند الملك أبا كاليجار والخطبة له‏.‏

فلما استقرت القواعد بينه وبينهم أرسل أموالًا فرقت على الجند ببغداد وعلى أولادهم وأرسل عشرة آلاف دينار للخليفة ومعها هدايا كثيرة فخطب به ببغداد في صفر وخطب له أيضًا أبو الشوك في بلاده ودبيس بن مزيد ببلاده ونصر الدولة بن مروان بديار بكر ولقبه الخليفة محيي الدين وسار إلى بغداد في مائة فارس من أصحابه لئلا تخافه الأتراك‏.‏

فلما وصل إلى النعمانية لقيه دبيس بن مزيد ومضى إلى زيارة المشهدين بالكوفة وكربلاء ودخل إلى بغداد في شهر رمضان ومعه وزيره ذو السعادات أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس ووعده الخليفة القائم بأمر الله أن يستقبله فاستعفى من ذلك وأخرج عميد الدولة أبا سعد بن عبد الرحيم وأخاه كمال الملك وزيري جلال الدولة من بغداد فمضى أبو سعد إلى تكريت وزينت بغداد لقدومه وأمر فخلع على أصحاب الجيوش وهم‏:‏ البساسيري والنشاووري والهمام أبو اللقاء وجرى من ولاة العرض تقديم لبعض الجند وتأخير فشغب بعضهم وقتلوا واحدًا من ولاة العرض بمرأى من الملك أبي كاليجار فنزل في سميرية بكنكور

وفي رمضان منها توفي أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي وزير الظاهر والمستنصر الخليفتين وكان فيه كفاية وشهامة وأمانة وصلى عليه المستنصر بالله‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة نزل الأمير أبو كاليجار كرشاسف بن علاء الدولة من كنكور وقصد همذان فملكها وأزاح عنها نواب السلطان طغرلبك وخطب للملك أبي كاليجار وصار في طاعته‏.‏

وفيها أمر الملك أبي كاليجار ببناء سور مدينة شيراز فبني وأحكم بناؤه وكان دوره اثني عشر ألف ذراع وعرضه ثمانية أذرع وله أحد عشر بابًا وفرغ منه سنة أربعين وأربعمائة‏.‏

وفيها نقل تابوت جلال الدولة من داره إلى مشهد باب التبن إلى تربة له هناك‏.‏

وفيها استوزر السلطان طغرلبك وزيره أبا القاسم علي بن عبد الله الجويني وهو أول وزير وزر له ثم وزر له بعده رئيس الرؤساء أبو عبد الله الحسين ابن علي بن ميكائيل ثم وزر له بعدهنظام الملك أبو محمد الحسن بن محمد الدهستاني وهو أول من لقب نظام الملك ثم وزر له بعده عميد الملك الكندري وهو أشهرهم وإنما اشتهر لأن طغرلبك في أيامه عظمت دولته ووصل إلى العراق وخطب به بالسلطنة وسيرد من أخباره ما فيه كفاية فلا حاجة إلى وفيها توفي الشريف المرتضى أبو القاسم علي أخر الرضي في آخر ربيع الأول ومولده سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وولي نقابة العلويين بعده أبو أحمد عدنان ابن أخيه الرضي‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري وهو شيخ أصحاب أبي حنيفة في زمانه ومن جملة تلامذته القاضي أبو عبد الله الدامغاني ومولده سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وولي بعده قضاء الكرخ القاضي أبو الطيب الطبري مضافًا إلى ما كان يتولاه من القضاء بباب الطاق‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو الحسن عبد الوهاب بن منصور بن المشتري قاضي خوزستان وفارس وكان شافعي المذهب‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين محمد بن علي البصري المتكلم المعتزلي صاحب التصانيف المشهورة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وأربعمائة

  ذكر وصول إبراهيم ينار إلى همذان

في هذه السنة أمر السلطان طغرلبك أخاه إبراهيم ينال بالخروج إلى بلد الجبل وملكها فسار إليها من كرمان وقصد همذان وبها كرشاسف بن علاء الدولة ففارقها خوفًا ودخلها ينال

وكان أبو الشوك حينئذ بالدينور فسار عنها إلى قرميسين خوفًا وإشفاقًا من ينال فقوي طمع ينال حينئذ في البلاد وسار الدينور فملكها ورتب أمورها وسار منها يطلب قرميسين‏.‏

فلما سمع أبو الشوك به سار إلى حلوان وترك بقرميسين من في عسكره من الديلم والأكراد الشاذنجان ليمنعوها ويحفظوها ووافاهم ينال جريدة فقاتلوه فدفعوه عنها فانصرف عنهم وعاد بخركاهاته وحلله فقاتلوه فضعفوا عنه وعجزوا عن منعه فملك البلد في رجب عنوة وقتل من العساكر جماعة كثيرة وأخذ أموال من سلم من القتل وسلاحهم وطردهم ولحقوا بأبي الشوك ونهب البلد وقتل وسبى كثيرًا من أهله‏.‏

ولما سمع أبو الشوك ذلك سير أهله وأمواله وسلاحه من حلوان إلى قلعة السيروان وأقام جريدة في عسكره ثم إن ينال سار إلى الصيمرة في شعبان فملكها ونهبها وأوقع بالأكراد المجاورين لها من الجوزقان فانهزموا وكان كرشاسف بن علاء الدولة نازلًا عندهم فسار هو وهم إلى بلد شهاب الدولة أبي الفوارس منصور بن الحسين‏.‏

ثم إن إبراهيم ينال سار إلى حلوان وقد فارقها أبو الشوك ولحق بقلعة السيروان فوصل إليها إبراهيم آخر شعبان وقد جلا أهلها عنها وتفرقوا في البلاد فنهبها وأحرقها وأحرق دار أيب الشوك وانصرف بعد أن اجتاحها ودرسها‏.‏

وتوجه طائفة من الغز إلى خانقين في أثر جماعة من أهل حلوان كانوا ساروا بأهليهم وأولادهم وأموالهم فأدركوهم وظفروا بهم وغنموا ما معهم وانتشر الغز في تلك النواحي فبلغوا مايدشت وما يليها فنهبوها وأغاروا عليها‏.‏

فلما سمع الملك أبو كاليجار هذه الأخبار أزعجته وأقلقته وكان بخوزستان فعزم على المسير ودفع ينال ومن معه من الغز عن البلاد فأمر عساكره بالتجهز للسفر إليهم فعجزوا عن الحركة لكثرة ما مات من دوابهم فلما تحقق ذلك سار نحو بلاد فارس فحمل العسكر أثقالهم على الحمير